فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)}
انتقال من الاعتبار بأمثالهم من الأمم الذي هو تخويف وتهديد على تكذيبهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى إبطال شبهتهم على نفي البعث وهي قوله: {أينا لمردودون في الحافرة} [النازعات: 10] وما أعقبوه به من التهكم المبني على توهم إحالة البعث.
وإذ قد فرضوا استحالة عود الحياة إلى الأجسام البالية إذ مثلوها بأجساد أنفسهم إذ قالوا: {أينا لمردودون} [النازعات: 10] جاء إبطال شبهتهم بقياس خلق أجسادهم على خلق السماوات والأرض فقيل لهم: {أأنتم أشد خلقاً أم السماء}، فلذلك قيل لهم هنا أأنتم بضميرهم ولم يقل: آالإِنسان أشدّ خلقاً، وما هم إلا من الإِنسان، فالخطاب موجه إلى المشركين الذين عبر عنهم آنفاً بضمائر الغيبة من قوله: {يقولون} إلى قوله: {فإذا هم بالساهرة} [النازعات: 10 14]، وهو التفات من الغيبة إلى الخطاب.
فالجملة مستأنفة لقصد الجواب عن شبهتهم لأن حكاية شبهتهم بـ: {يقولون أينا} إلى آخره، تقتضي ترقب جواب عن ذلك القول كما تقدم الإِيماء إليه عند قوله: {يقولون أينا لمردودون} [النازعات: 10].
والاستفهام تقريري، والمقصود من التقرير إلجاؤهم إلى الإِقرار بأنّ خلق السماء أعظم من خلقهم، أي مِن خلق نوعهم وهو نوع الإِنسان وهم يعلمون أن الله هو خالق السماء فلا جرم أن الذي قدر على خلق السماء قادر على خلق الإِنسان مرة ثانية، فينتج ذلك أن إعادة خلق الأجساد بعد فنائها مقدورة لله تعالى لأنه قدَر على ما هو أعظم من ذلك قال تعالى: {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون} [غافر: 57]، ذلك أن نظرهم العقلي غيَّمت عليه العادة فجعلوا ما لم يألفوه مُحالاً، ولم يلتفتوا إلى إمكان ما هو أعظم مما أحالوه بالضرورة.
و{أشد}: اسم تفضيل، والمفضل عليه محذوف يدل عليه قوله: {أم السماء}.
ومعنى {أشد} أصعب، و{خلقاً} مصدر منتصب على التمييز لنسبة الأشدّية إليهم، أي أشد من جهة خلق الله إياكم أشد أم خلقه السماء، فالتمييز مُحوّل عن المبتدأ.
و{السماء} يجوز أن يراد به الجنس وتعريفه تعريف الجنس، أي السماوات وهي محجوبة عن مشاهدة الناس فيكون الاستفهام التقريري مبنيا علي ما هو مشتهر بين الناس من عظمة السماوات تنزيلاً للمعقول منزل المحسوس.
ويجوز أن يراد به سماء معينة وهي المسماة بالسماء الدنيا التي تلوح فيها أضواء النجوم فتعريفه تعريف العهد، وهي الكرة الفضائية المحيطة بالأرض ويَبدو فيها ضوء النهار وظلمةُ الليل، فيكون الاستفهام التقريري مبنيا علي ما هو مشاهد لهم.
وهذا أنسب بقوله: {وأغطَشَ ليلَها وأخرج ضحاها} لعدم احتياجه إلى التأويل.
وجملة {بناها} يجوز أن تكون مستأنفة استئنافاً بيانياً لبيان شدة خلق السماء، ويجوز أن تكون بدل اشتمال في قوله: {أم السماء}، لأنه في تقدير: أم السماء أشد خلقاً.
وقد جعلت كلمة {بناها} فاصلة فيكون الوقف عندها ولا ضير في ذلك إذ لا لبس في المعنى لأن {بناها} جملة و{أم} المعادلة لا يقع بعدها إلا اسم مفرد.
والبناء: جعل بيت أو دار من حجارة، أو آجر أو أدم، أو أثواب من نسيج الشعر، مشدودة شُققه بعضها إلى بعض بغَرز أو خياطة ومقامة على دعائم، فما كان من ذلك بأدم يسمى قُبة وما كان بأثواب يسمى خيمة وخباء.
وبناء السماء: خلقها، استعير له فعل البناء لمشابهتها البيوت في الارتفاع.
وجملة {رفع سمكها فسواها} مبنية لجملة {بناها} أو بدل اشتمال منها وسلك طريق الإِجمال ثم التفصيل لزيادة التصوير.
والسّمْك: بفتح السين وسكون الميم: الرَّفع في الفضاء كما اقتصر عليه الراغب سواء اتصل المرفوع بالأرض أو لم يتصل بها وهو مصدر سَمَكَ.
والرَّفع: جعل جسم معتلياً وهو مرادف للسمْك فتعدية فعل {رفع} إلى (السمك) للمبالغة في الرفع، أي رَفَعَ رفْعَهَا أي جَعله رفيعاً، وهو من قبيل قولهم: لَيل ألْيَل، وشِعر شاعر، وظِل ظليل.
والتسوية: التعديل وعدم التفاوت، وهي جعل الأشياء سواء، أي متماثلة وأصلها أن تتعلق بأشياء وقد تتعلق باسم شيء واحد على معنى تعديل جهاته ونواحيه ومنه قوله هنا: {فسواها}، أي عَدَّل أجزاءها وذلك بأن أتقن صنعها فلا ترى فيها تفاوتاً.
والفاء في {فسواها} للتعقيب.
وتسوية السماء حصلت مع حصول سمكها، فالتعقيب فيه مثل التعقيب في قوله: {فنادى فقال أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 23، 24].
وجملة {وأغطش ليلها} معطوفة على جملة {بناها} وليست معطوفة على {رفع سمكها} لأن إغطاش وإخراج الضحى ليس مما يبين به البناء.
والإِغطاش: جعله غاطشاً، أي ظلاماً يقال: غَطَش الليل من باب ضرب، أي أظلم.
والمعنى: أنه خَصَّ الليل بالظلمة وجعله ظلاماً، أي جعل ليلها ظلاماً، وهو قريب من قوله: {رفع سمكها} من باب قولهم: ليل ألْيَل.
وإخراج الضحى: إبراز نور الضحى، وأصل الإِخراج النقل من مكان حاوٍ واستعير للإِظهار استعارة شائعة.
والضحى: بروز ضوء الشمس بعد طلوعها وبعد احمرار شعاعها، فالضحى هو نور الشمس الخالص وسمي به وقته على تقدير مضاف كما في قوله تعالى: {وأن يحشر الناس ضحى} [طه: 59] يدل لذلك قوله تعالى: {والشمس وضحاها} [الشمس: 1]، أي نورها الواضح.
وإنما جعل إظهار النور إخراجاً لأن النور طارئ بعد الظلمة، إذ الظلمة عَدَم وهو أسبق، والنور محتاج إلى السبب الذي ينيره.
وإضافة (ليل) و(ضحى) إلى ضمير {السماء} إن كان السماء الدنيا فلأنهما يلوحان للناس في جوّ السماء فيلوح الضحى أشعة منتشرة من السماء صادرة من جهة مطلع الشمس فتقع الأشعة على وجه الأرض ثم إذا انحجبت الشمس بدورة الأرض في اليوم والليلة أخذ الظلام يحلّ محلّ ما يتقلص من شعاع الشمس في الأفق إلى أن يصير ليلاً حالكاً محيطاً بقسم من الكرة الأرضية.
وإن كان السماء جنساً للسماوات فإضافة ليل وضحى إلى السماوات لأنهما يلوحان في جهاتها.
{وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دحاها (30)}
وانتقل الكلام من الاستدلال بخلق السماء إلى الاستدلال بخلق الأرض لأن الأرض أقرب إلى مشاهدتهم وما يوجد على الأرض أقرب إلى علمهم بالتفصيل أو الإِجمال القريب من التفصيل.
ولأجل الاهتمام بدلالة خلق الأرض وما تحتوي عليه قُدم اسم {الأرض} على فعله وفاعِله فانتصب على طريقة الاشتغال، والاشتغال يتضمن تأكيداً باعتبار الفعل المقدر العامل في المشتغل عنه الدال عليه الفعلُ الظاهر المشتغل بضمير الاسم المقدم.
والدَّحْو والدَّحْيُ يقال: دحَوْت ودحيت.
واقتصر الجوهري على الواوي وهو الجاري في كلام المفسرين هو: البسط والمدّ بتسوية.
والمعنى: خلقها مدحوَّة، أي مبسوطة مسوّاة.
والإِشارة من قوله: {بعد ذلك} إلى ما يفهم من {بناها رفع سمكها فسواها} [النازعات: 27، 28]، أي بعد خلق السماء خلق الأرض مدحوَّة.
والبعدية ظاهرها: تأخر زمان حصول الفعل، وهذه الآية أظهر في الدلالة على أن الأرض خلقت بعد السماوات وهو قول قتادة ومقاتل والسدّي، وهو الذي تؤيده أدلة علم الهيئة.
وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} في سورة البقرة (29)، وما ورد من الآيات مما ظاهره كظاهر آية سورة البقرة تأويله واضح.
ويجوز أن تكون البعدية مجازاً في نزول رتبة ما أضيف إليه {بعد} عن رتبة ما ذُكر قبله كقوله تعالى: {عتل بعد ذلك زنيم} [القلم: 13].
وجملة {أخرج منها ماءها ومرعاها} بدل اشتمال من جملة {دحاها} لأن المقصد من دحوها بمقتضى ما يكمل تيسير الانتفاع بها.
ولا يصح جعل جملة {أخرج منها ماءها} إلى آخرها بياناً لجملة {دحاها} لاختلاف معنى الفعلين.
والمرعى: مَفْعَل من رَعَى يرعَى، وهو هنا مصدر ميمي أطلق على المفعول كالخلق بمعنى المخلوق، أي أخرج منها ما يُرْعَى.
والرعي: حقيقته تناول الماشية الكلأ والحشيش والقصيل.
فالاقتصار على المرعى اكتفاء عن ذكر ما تخرجه الأرض من الثمار والحبوب لأن ذكر المرعى يدل على لطف الله بالعجماوات فيعرف منه أن اللطف بالإِنسان أحرى بدلالة فحوى الخطاب، والقرينةُ على الاكتفاء قوله بعده {متاعاً لكم ولأنعامكم} [النازعات: 33].
وقد دل بذكر الماء والمرعى على جميع ما تخرجه الأرض قوتاً للناس وللحيوان حتى ما تُعالَج به الأطعمة من حطب للطبخ فإنه مما تنبت الأرض، وحتى الملح فإنه من الماء الذي على الأرض.
ونصب {والجبال} يجوز أن يكون على طريقة نصب {والأرض بعد ذلك دحاها} ويجوز أن يكون عطفاً على {ماءها ومرعاها} ويكون المعنى: وأخرج منها جبالها، فتكون (ال) عوضاً عن المضاف إليه مثل {فإن الجنة هي المأوى} [النازعات: 41] أي مأوى من خافَ مقام ربه فإن الجبال قطع من الأرض ناتئة على وجه الأرض.
وإرساء الجبال: إِثباتُها في الأرض، ويقال: رست السفينة، إذا شُدّت إلى الشاطئ فوقفت على الأَنْجَرِ، ويوصف الجبل بالرسوّ حقيقة كما في (الأساس)، قال السموأل أو عبد الملك بن عبد الرحيم يذكر جبلهم:
رسَا أصلُه فوق الثرى وسمَا به ** إلى النجم فَرع لا يُنال طويل

وإثبات الجبال: هو رسوخها بتغلْغُل صخورها وعروق أشجارها لأنها خلقت ذات صخور سائخة إلى باطن الأرض ولولا ذلك لزعزعتها الرياح، وخُلقت تتخلّلها الصخور والأشجار ولولا ذلك لتهيلت أتربتها وزادها في ذلك أنها جُعلت أحجامها متناسبة بأن خلقت متسعة القواعد ثم تتصاعد متضائقة.
ومن معنى إرسائها: أنها جعلت منحدرة ليتمكن الناس من الصعود فيها بسهولة كما يتمكن الراكب من ركوب السفينة الراسية ولو كانت في داخل البحر ما تمكن الراكب من ركوبها إلا بمشقة.
{مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33)}
(المتاع) يطلق على ما ينتفع به مدة، ففيه معنى التأجيل، وتقدم عند قوله: {وأمتعتكم} في سورة النساء (102)، وهو هنا اسم مصدر متَّع، أي إعطاء للانتفاع زماناً، وتقدم بيانه عند قوله تعالى: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} في سورة الأعراف (24).
وانتصب {متاعاً} على النيابة عن الفعل.
والتقدير: متَّعْناكم متاعاً.
ولام {لكم ولأنعامكم} لام التقوية لأن المصدر فرع في العمل عن الفعل، وهو راجع إلى خلق الأرض والجبال، وذلك في الأرض ظاهر، وأما الجبال فلأنها معتصمهم من عدوّهم، وفيها مراعي أنعامهم تكون في الجبال مأمونة من الغارة عليها على غرة.
وهذا إدماج الامتنان في الاستدلال لإِثارة شكرهم حق النعمة بأن يعبدوا المنعِم وحده ولا يشركوا بعبادته غيره.
وفي قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] إلى {ولأنعامكم} محسّن الجمع ثم التقسيم. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{هَلُ أَتَاكَ حديث موسى}
ثم وقف تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على جهة جمع النفس لتلقي الحديث، فقال: {هل أتاك حديث موسى} الآية، و(الوادي المقدس): واد بالشام، قال منذر بن سعيد: هو بين المدينة ومصر، وقرأ الحسن بن أبي الحسن والأعمش وابن إسحاق: {طوى} بكسر الطاء منونة، ورويت عن عاصم، وقرأ الجمهور: {طوى} بضمها، وأجرى بعض القراء {طوى} وترك إجراءه ابن كثير وأبو عمرو ونافع وجماعة، وقد تقدم شرح اللفظة في سورة طه، وقوله تعالى: {اذهب إلى فرعون} تفسير النداء الذي ناداه به، ويحتمل أن يكون المعنى قال: {اذهب} وفي هذه الألفاظ استدعاء حسن، وذلك أنه أمر أن يقول به: {هل لك أن تزكى}، وهذا قول جواب كل عاقل عنده نعم أريد أن أتزكى، والتزكي هو التطهر من النقائص، والتلبس بالفضائل، وفسر بعضهم: {تزكى} بتسلم وفسرها بقول: لا إله إلا الله، وهذا تخصيص وما ذكرناه يعم جميع هذا، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بخلاف عنه: {تزكى} بشد الزاي، وقرأ الباقون {تزكى} بتخفيف الزاي، ثم أمر موسى أن يفسر له التزكي الذي دعاه إليه بقوله: {وأهديك إلى ربك فتخشى}، والعلم تابع للهدى والخشية تابعة للعلم، {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر: 28]، و{الآية الكبرى}: العصا واليد، قاله مجاهد وغيره، وهما نصب {موسى} للتحدي فوقعت المعارضة في الواحدة وانقلب فيها فريق الباطل، وقال بعض المفسرين: {أدبر يسعى} حقيقة قام من موضعه مولياً فاراً بنفسه عن مجالسة موسى عليه السلام، وقال مجاهد: {أدبر} كناية عن إعراضه عن الإيمان، و{يسعى} معناه: يتحذم حل أمر موسى عليه السلام والرد في وجه شرعه، وقوله: {فحشر} معناه: جمع أهل مملكته ثم ناداهم بقوله: {أنا ربكم الأعلى} وروي عن ابن عباس أنه قال: المعنى: فنادى فحشر، وقوله: {أنا ربكم الأعلى} نهاية في المخرقة ونحوها باق في ملوك مصر وأتباعهم.
{فَأَخَذَهُ اللَّهُ نكال الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (25)}
{نكال} منصور على المصدر، قال قوم {الآخرة} قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38]، و{الأولى} قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24]، وروي أنه مكث بعد قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] أربعين سنة، وقيل هذه المدة بين الكلمتين، وقال ابن عباس: {الأولى} قوله: {ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38]، و{الآخرة} قوله: {أنا ربكم الأعلى} [النازعات: 24] وقال ابن زيد: {الأولى} الدنيا، و{الآخرة}: الدار الآخرة، أي أخذه الله بعذاب جهنم وبالغرق في الدنيا، وقال مجاهد: عبارة عن أول معاصيه وكفره وآخرها أي نكل بالجميع، و{نكال} نصب على المصدر، والعامل فيه على رأي سيبويه (أخذ) لأنه في معناه، وعلى رأي أبي العباس المبرد فعل مضمر من لفظ {نكال}، ثم وقف تعالى على موضع العبرة بحال فرعون وتعذيبه، وفي الكلام وعيد للكفار المخاطبين برسالة محمد عليه السلام، ثم وقفهم مخاطبة منه تعالى للعالم والمقصد الكفار، ويحتمل أن يكون المعنى: قل لهم يا محمد {أأنتم أشد خلقاً} الآية، وفي هذه الآية دليل على أن بعث الأجساد من القبور لا يتعذر على قدرة الله تعالى، و(السمك): الارتفاع الذي بين سطح السماء الأسفل الذي يلينا وسطحها الأعلى الذي يلي ما فوقها، وقوله تعالى: {فسواها} يحتمل أن يريد جعلها ملساء مستوية ليس فيها مرتفع ومنخفض، ويحتمل أن يكون عبارة عن إتقان خلقها ولا يقصد معنى إملاس سطحها والله تعالى أعلم كيف هي {وأغطش} معناه: أظلم، والأغطش الأعمى ومنه قول الشاعر الأعشى: المتقارب:
نحرت لهم موهناً ناقتي ** وليلُهم مدلهمٌّ عطش

ونسب الليل والضحى إليها من حيث هما ظاهران منها وفيها، وقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} متوجه على أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فخلقها وبناها، ثم دحا الأرض بعد ذلك، وقرأ مجاهد: و{الأرض مع ذلك}، وقال قوم: إن {بعد ذلك} معناه مع ذلك، والذي قلناه تترتب عليه آيات القرآن كلها، ونسب الماء والمرعى إلى الأرض حيث هما يظهران فيها، ودحو الأرض بشطها ومنه قول أمية بن أبي الصلت: الكامل:
دار دحاها ثم أسكننا بها ** وأقام بالأخرى التي هي أمجد

وقرأ الجمهور: {والأرضَ} نصباً، وقرأ الحسن وعيسى، و{الأرضُ} بالرفع، وقرأ الجمهور: و{الجبالَ} نصباً، وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد: {والجبالُ} رفعاً، و{أرساها} معناه: أثبتها، وجمع هذه النعم إذا تدبرت فهي متاع للناس، و(الأنعام) يتمتعون فيها وبها، وقرأ الجمهور: {متاعاً} بالنصب، وقرأ ابن أبي عبلة: {متاعٌ} بالرفع. اهـ.